الجمعة، ٢٢ كانون الثاني ٢٠١٠


((( خلّ نْ بوكا ))) ابتكار و تجديد








أغادير أمين
aghadeer.amin@googlemail.com
الحوار المتمدن - العدد: 2781 - 2009 / 9 / 26
المحور: الادب والفن





بادئ ذي بدء أحب أن أوضح لمن يود أن يقرأ مقالي المتواضع هذا بأنني لست ناقدة ولا حتى أديبة كبيرة , ولا تربطني صلة من قريب ولا من بعيد بـمقدمه (علي الخالدي ) او قناة البغدادية .

لكن باعتباري مشاهدة ومتابعة لبعض الأعمال التي تظهرعلى شاشة التلفاز واملك بتواضع روح الكتابة الشفيفة ,أحببت أن اعلق بنعومة على هذا البرنامج الجديد المبتكر ( خل ن بوكا ) من خلال رؤيتي ومتابعتي لأكثر من نصف حلقاته , بعد أن قرأت الانتقادات اللاذعة التي وجهت اليه سواء بجريدة ورقية ملموسة باليد او على جرائد صفحات النت.

لا اعرف لمَ نحن ( العراقيين ) دوما نتهجم على اي جديد بانتقادات قاسية و نثبط من عزيمة وإبداع نفسية اي مبتكر في حين نجد في العالم العربي والغربي انهم يقيّمون ويرفعون من شأن اشياء لا قيمة لها و نراهم يخلقون ( شيئا من اللاشيء ) , ولا ادري لمَ دوما تُؤخذ قشور الامور وصغائرها , متناسين لبّ الموضوع ومضمون العمل المطروح, تأخذنا العاطفة ملغية حكمة العقل المتنور المتفتح دون ضغائن او بغشاوة متعمدة متسرعين في الحكم على الأشياء. متجاهلين النقد البناء.

برنامج ( خل ن بوكا ) برنامج جديد ممتع مبتكر مشوق مبني على فكرة الكاميرا الخفية وهو مقلب محبوك في استفزاز الضيف لإظهار شخصيته الحقيقية الخفية التي يتمنى كل الجمهور معرفة مكنوناتها, يحوي مواقف كوميدية لظرافتها ترسم على وجوهنا الابتسامة حد الضحك احيانا وحد الدهشة والذهول ايضا من قبلنا لاختلاف ردود افعال فنانينا تجاه هكذا مواقف وعبارات واسئلة .

يكفي انه اول برنامج بهذه الجرأة في الطرح يسلط الضوء على شخصية الفنان العراقي المحبوب وإظهار الوجه الآخر له لمعرفته دون تزويق او تنميق من خلال الاستفزاز القوي ,وكما هو معروف ان الانسان ساعة الغضب يظهرعلى حقيقته سواء كان يتمتع بخلق عالٍ رفيع و شخصية راقية وقلب كبير او انه يفقد صبره لأتفه الأمور ويتلفظ بألفاظ غير لائقة ويتصرف تصرفات مشينة. هذا هو مبدأ الكاميرا الخفية الذي بنيت عليه فكرة برنامج ( خل ن بوكا ),ولعل ابسط حقوق المُشاهد المُعجب انه سيستطيع ان يتعرف أكثر على الشخصيات الفنية التي يعشقها ويقدّرها ليدرك حينها هل يستحق هذا الفنان احترام المعجبين به ام لا ,من خلال هكذا برامج منوعة ترفيهية ممتعة في العالم كله .

البرنامج لم يسىء للفنان العراقي ولم يتعمد أي هانه له,على العكس هو في فحواه أنصف الفنان العراقي الذي أرغمته ظروف بلده أن يهاجر ويسافر لبلد آخر حاله حال الناس البسطاء الذين ذاقوا الأمرين مرغمين على ترك بلدهم الحبيب نتيجة عدم توفر الظروف الأمنية لهم , سلط الضوء على نقطة فهمها البعض خطأ وهي تركيزه على ( الليرات ) كأجر للفنان العراقي خارج بلده, طرح هذه النقطة هو بمثابة رسالة موجهة الى نقابة الفنانين ووزارة الثقافة التي من شانها ان تهتم اكثر بالفنان العراقي العظيم المعطاء رغم شدة وقسوة الظروف بأن تراعي له أجوره في ان يعامل أسوة بالفنانين العرب الآخرين الذين يتدللون بأجور عالية . هناك نقطة اخرى مهمة في البرنامج عند طرح كلمة ( العراق والانتماء له ) نجد فنانينا تغلي حميتهم متعصبين لعراقيتهم العريقة باعتزاز كبير يجري في العروق قائلين (أتشرف بأني عراقي عراقي عراقي ).

اما من حيث ديكورات البرنامج فنجدها بسيطة جدا جدا بعيدة عن التكلف وعن الصرفيات الباذخة التي نراها مقارنة بهكذا برامج , وان كانت توجد هناك (هراوة ) او سلاسل او سلاح يحمله المقدم علي الخالدي بيده فهو شيء بسيط جدا مكمل لأجواء الفكرة وتشبيه لسجن ( بوكا ) او اي سجن فيه الوان العتمة واجواء الرهبة في مدى تأثيرها على نفسية الضيف.

حتى اغنية البرنامج مع انني لست من محبي هذا النوع من الأغاني أبدا , لكن والحق يقال جاءت الأغنية كلمات , لحنا , غناء, خفيفة الروح حلوة متناغمة جميلة متوافقة مع ما جاء فيه.

في (خل ن بوكا ) نوع من التجديد المتواضع المميز , لم نرَ فيه حضور شباب وشابات في الاستوديو مصفقين بسبب او بدونه لما يدور من حوار, لم نرَ فيه شاشة صغيرة يعرضون فيها اراء الناس في الشارع حول الضيف او تعليقا لشخص يعرف الضيف عن قرب.

لذلك احب ان اعلق على من عابوا ديكورات البرنامج , و من انتقد بشدة طريقة الأستفزاز والحوارات التي حصلت فيه:

هل رأيتم برنامج ( مذيعة من جهة امنية ) المصري ؟! مقدمته ترتدي ملابس محققة امن كالرجال وتعامل ضيوفها بقساوة وصلابة وعنف ,تحاكمهم على أقوال وأفعال وأعمال حصلت ومن ثم تبرئهم او تضعهم في السجن,تحمل بيدها مسدسا تلمح به وتضعه على الطاولة لتخويف وترهيب الضيف.ديكورات البرنامج فيها من الصرفيات والمبالغ الطائلة حد البذخ, كاميرات تجسس ورجال امن بملابس الشرطة, كلاب بوليسية , قضبان حديدية ,موسيقى تصويرية موترة للأعصاب.مع ان فكرة البرنامج ليست الكاميرا الخفية؟!

أ رأيتم برنامج ( صادوه ) الخليجي الذي يقدمه اثنان من الممثلين لأن البرنامج كاميرا خفية نراهما يتصرفان تصرفات طائشة ويستخدمان مع بعضهما كلمات وعبارات حادة لاذعة ويستخدمان اسلوبا قاتلا محطما لنفسية الفنان الذي يستضيفانه؟!
أ شاهدتم الكاميرا الخفية القديمة السورية مع الفنانين ,أتذكرون كيف رأينا الوجه الآخر للفنان العربي كل على حقيقة طبيعته سلبا ام ايجابا؟!
هل شاهدتم برنامج (حيلهم بينهم ) الخليجي والمصري ,هو ايضا كاميرا خفية فيه من الجمهور والحضور والمقالب الشخصية القاتلة للضيف والحوارات والتصرفات الإستهزائية ؟!

لو قلبتم القنوات الفضائية وشاهدتم اي كاميرا خفية في الشارع العربي مع اناس عاديين سترون انهم لأتفه الاسباب يتعصبون ويتعاركون وتحصل مشادة كلامة حد الضرب بالايادي .

أذكر في صغري كاميرا خفية مع الفنانة الممثلة الرقيقة ( شيرين ) في حوار مستفز جعلها لأبسط الاشياء تكون قاسية وخشنة حتى بعد ان عرفت ان ما كان كاميرا خفية اصرت على انها تقلب الطاولة المستديرة بما فيها.
من خلال كل ذلك نتلمس شيئا مهما ان النفس البشرية تحوي من الخصال والصفات الحسن منها والسيء بدرجات متفاوتة سواء كان انسانا مغمورا او معروفا مشهورا.

لكن

برنامج ( خل ن بوكا ) ,يثبت للجميع ان الإنسان العراقي الذي عاش وذاق اعتى المصائب واصعبها لسنين طوال يملك قدرة عالية من الصبر وإلا ما كان للآن يعيش بثبات وعزيمة رغم المرار يحاول ان يزرع الإبتسامة , يُظهر لنا الفنان العراقي الغالي على قلبنا انه صاحب اكبر واطيب قلب على التحمل وطول البال يتمالك اعصابه حتى اخر لحظة. وإن كان هناك بعض الفنانين من فقدوا اعصابهم تلفظوا وتصرفوا بالسوء لا يجدر بنا ان نعممهم على الباقين ,فهم قليلون جدا مقارنة بمن رأيناهم ممن (يرفعون الراس , أخص بالذكر القديرين محسن العزاوي وصلاح عبد الغفور, اللذين ابديا روحا رياضية عجيبة وقدرة على التحمل والابتسامة حتى آخر لحظة) .

علي الخالدي يملك خفة دم وسرعة بديهة استطاع ان ينقلنا لأجواء برنامجه بكل متعة وتشويق, انها جرأة عالية منه ان يقوم بهكذا مقلب ساخن يلعب فيه على اوتار شخصيات فنية عراقية قديرة غالية على قلوبنا متشوقين لرؤيتها متعطشين لعطائها المعهود ومتمنين معرفة حقيقتها.

مع ذلك
لم يخلُ البرنامج من بعض الأخطاء الصغيرة جدا, علي الخالدي كان قاسيا باستخدام كلمة ( فاشل فاشل فاشل ) وتكرارها .كلنا يعرف قيمة الفنان العراقي بعطائه وتاريخه الطويل او الحديث, لكن باعتبار ان البرنامج بُث على قناة فضائية للعالم كله ,حبذا لو ان كادره بمُعدّيه ومقدميه بعد انتهاء المقلب حاولوا ان يوضحوا للمُشاهد سيرة الفنان الضيف اعماله و عطاءه الفني كل حسب اختصاصه بنبذة صغيرة بدلا من ان يكتفوا بكلمة ( فنان متألق ونحبه جدا ).

هاتان هما الملاحظتان الصغيرتان اللتان ابديهما عن البرنامج , وباستطاعة الكوادر الفنية الاعلامية تفاديها مستقبلا.لكن باعتبارها تجربة جديدة فهي ناجحة وممتعة, قناة البغدادية قناة جميلة تحترم المتلقي نشكرها لتقديم هكذا برنامج ترفيهي جديد على المشاهد العراقي .

فلنتفاءل دوما ... وننظر للجانب الممتليء من الكأس لا الفارغ منه ...كي ننهض ابداعا وتالقا بفن مبتكر جديد مرموق ممتع شيق خالٍ من اي هفوة تثير الأقاويل .




المصدر
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=185892

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق